الجمعية المصرية
للبحوث الروحية والثقافية
ومضة عن السيد علي رافع [١]
هو الابن روحاً ودماً للمعلم الصوفي، السيد رافع محمد رافع (١٩٠٣-١٩٧٠م)، الذي كانت رحلة حياته على الأرض تعبيراً حياً عن المحبة الغامرة للإنسانية جمعاء، تجلت من خلال العطاء والخدمة في جميع مراحل حياته، فحين كان السيد رافع محامياً حراً في النصف الأول من القرن العشرين، شارك في الحركة الوطنية؛ دفاعاً عن حق المجتمع المصري في الحرية، وحق جميع الطبقات في الحياة الكريمة. وحين اتجه للمجال الصوفي، باحثاً ومعلماً في الأربعينيات من القرن، كان أيضاً صاحب رسالة قوامها حق الإنسان في بلوغ حرية أعمق؛ وهي حرية نقاء القلوب وطهارة الروح، فالتفَّت حوله القلوب. ولازال السيد رافع محمد رافع حاضراً بروحه وحكمته بين كل من يبغي ذلك النقاء من أبنائه ومريديه.
السيد علي رافع، يواصل رسالة الأب بوجوده هو نفسه تجلياً للمحبة والنقاء، وبالخدمة التي يقدمها لكل طالب علم، وذلك من خلال ريادته للجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية[٢]، التي تعمل على نشر المعرفة الروحية على أساس أن وعي الإنسان بنفسه ككائن روحي؛ تجعل نظرته للحياة أكثر عمقاً، وأثرى معنًى، وأقوم خلقاً، وأوسع إثماراً في جميع مناحي الحياة، كما أن إيقاظ الوعي الروحي في الإنسان؛ يجعله أكثر تناغماً مع ما تدعو إليه جميع الرسالات السماوية والفطرية من قيم السلام والمحبة والتعاون والتكامل والتسامح، وتحت إشرافه، يقوم أعضاء الجمعية -سيداتٍ ورجالاً- بنشاطات متعددة من أجل نشر هذا الوعي، منها: عقد الندوات الثقافية، ونشر الكتب، وتنظيم حلقات دراسية، وتدريبات روحية.
ويقول السيد علي رافع دوماً: إنه لا يعتبر نفسه معلماً أو شيخاً بالمعنى التقليدي؛ بل باحث عن الحقيقة ورمز للدائرة، وهذا الموقف منه يعتبر في حد ذاته تطوراً في الطريق الصوفي وعلاقة المعلم بالمريد، فهو يُعلِّم أن المعرفة والحقيقة كامنة في فطرة الإنسان، وهو قادر على التواصل معها بالطلب والعمل والرجاء من الله والتعرض لنفحاته. إن الصدق الشديد في كل ما يقوله ويفعله السيد علي رافع، وبساطته وإخلاصه لا يخطئه كل من حوله، كما أن روحه المضيئة تشرق من داخل مريديه، ترعاهم وتعلمهم؛ فإذا ما كانت تعاليمه تُضِيء لهم الطريق فعلاً وحقاً، إلا أن أهم ما يعلمهم إياه هو أن يستمعوا لكلمة الحق في قلوبهم.
السيد علي رافع، عالم بارز في علوم الحاسب الآلي على المستوى العربي والدولي، وهو أستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقد حصل على درجة الدكتوراه من فرنسا. وقد وُلد السيد علي رافع في السابع من أبريل عام ١٩٥٠ ميلاديا، وكان طالبا متفوقا في جميع المراحل الدراسية، ففي الشهادة الإعدادية كان ترتيبه العاشر على المنطقة، مما أهله للالتحاق بمدرسة ثانوية داخلية يلتحق بها خمسة من العشر الأوائل من كل محافظة من محافظات الجمهورية. التحق بعد ذلك بكلية الهندسة بجامعة القاهرة ومنها حصل على شهادة البكالوريوس، ثم تخصص لاحقا في علوم الحاسب الآلي ونظم المعلومات.
ومن أبرز التعاليم التي يؤكد عليها في أحاديثه للدائرة الروحية هي أن الحياة اليومية بكل نشاطاتها إنما هي جزء لا يتجزأ من التدريب الروحي للسالكين، ففيها يعيشون إخلاصهم في التعبير عن معنى العبودية لله، في كل لحظة من حياتهم.
التالي هو مقتطفات من فصل في كتاب "رفقاء الروح: حوارات مع حراس الحكمة المعاصرين-مجموعة ممن التقوا بالروح"[٣] للكاتبة كارين سوير.
"يؤمن المعلم الصوفي السيد على رافع بأنه من الممكن أن يخبر وجود الله معه في كل وقت وحين، وليس فقط في أوقات الصلاة، أو التأمل، ولهذا فقد أصبح عالما مرموقا وفي نفس الوقت رائدا روحيا دون أدنى تناقض."
وتنقل الكاتبة عن السيد علي قوله:
"إنني أؤمن بأن كل إنسان يتلقى إرشادا من عالم الغيب، وهذا الإرشاد يكون قادما من وعينا الأعلى، من شخص آخر يكون قد عاش على الأرض منذ زمن ما، أو من مخلوقات غيبية مثل الملائكة، أو بأي وسيلة أخرى لا يمكننا أن نتخيلها."
"بعد انتقال والدي إلى الرفيق الأعلى طلب السيد سلفربرش من أعضاء الدائرة الروحية أن يجددوا العهد معي كرائد للدائرة الروحية. لم أكن راغبا في أن أكون رائدا للدائرة، وكنت في صراع ما بين القبول والرفض، ثم وافقت على القبول لسبب واحد جوهري، وهو أن رفضي سيترتب عليه هدم هذه الدائرة، وهو ما لم أكن لأقبله على المستوى الأخلاقي. وللآن لا زلت لا أعتبر نفسي رائدا صوفيا تقليديا. ما أنا إلا شخص عادي، يحاول أن يتفكر بأسلوب حر، ويتعمق في فهم الحكمة الموجودة على الأرض من مصادرها المتعددة. إنني أعتقد أن الإنسان يجب ألا يعتمد تماما على المصادر الخارجية وحدها، وأن المعرفة يجب أن تأتي من الداخل، من تجربة كل إنسان الخاصة. فأقول لأعضاء الدائرة الروحية إن لا شيء مما أقول يعتبر حقيقة مطلقة، بل يمكن مناقشته، وأن استقبالهم للحكمة مني يرجع فقط لحبهم، وثقتهم، وإيمانهم بي. أقول لهم "إننا كلنا واحد... إن كنت أنا اللسان المتحدث، فهم الآذان التي تستمع، وإذا كنت أنا العقل فهم القلب والجسد. فجميعنا نكمل بعضنا البعض بالمحبة، وبالرغبة في معرفة الحقيقة، والتطلع لارتقاء حياتنا على الأرض، والتعرض لنفحات الله ورحماته." قبلت أن أقوم بدور "الرائد" للدائرة وفقا لهذا التعريف الجديد.
وبالرغم من أنني لا أتذكر أحلامي على وجه العموم، ولكني أتذكر رؤية واضحة، رأيتها وكأنها تحدث على أرض الواقع، بعد قبولي لدور الرائد مباشرة. في هذه الرؤية كان والدي يُمسك بيدي بنفس الطريقة التي كان يمسك بها بيدي أخ جديد يلتحق بالطريق الصوفي، وهو ما يسمى "القبضة"، والتي هي بمثابة عهد بين الشيخ والمريد من خلال قراءة آيات معينة من القرآن الكريم. هذه الرؤية أعطتني الإحساس ببداية جديدة، وشعرت بالراحة بأن أبي كان راضيا عن رؤيتي لمعنى الرائد الروحي للدائرة. وبما أنني لم أكن قد تلقيت هذه القبضة من أبي حين كان بيننا على الأرض، شعرت وكأنه قد زارني في الرؤية ليبارك خطواتي، ويمدني بالدعم والقوة لمواصلة عمله الروحي.
[١] "علي رافع" هو الاسم الذي يشتهر به السيد د. أحمد عبد الواحد رافع بين أسرته ومريديه.
[٢] جمعية أهلية مشهرة برقم 3813 لسنة 1980 جنوب القاهرة.
[٣]كتاب كارين سوير. رفقاء الروح: حوارات مع حراس الحكمة المعاصرين-مجموعة ممن التقوا بالروح ، المملكة المتحدة، دار نشر جون هانت للنشر ، ٢٠٠٨.
[٤]كتب الروح المرشد السيد سلفر برش